يستقرسمير على الأريكةالمريحة، بعد تحيةمحللته بابتسامة رقيقة، كعهده منذأزيد من ثلاث سنوات. يلتزم الصمت هنيهةقبل الشروع في سرد ما يجول بخاطره العفوي و المدبر. كان القلق يبدو على محياه بارزا و يوحي بأحاسيسمضطربة تتفاعل في نفسه لم تغب عن عين الدكتورة توبون التي تلاحظه بجفن شبه مغلق. راحيتحرككأنه يسوي وضعه أو يختار الحالة اللائقة لتلك الساعة الطائشة المتقلبةالتي تسير علىهواها فتطول حتىتكاد تخنقه أوتخف فتبدو له دقائقسريعة لا تسمح له بإلقاء كل ما أعده أو عايشه طوال الأسبوع. تنحنح عدة مرات و أطلق عنان لسانه:
لستأدري تماما كيفانتهيت إلى ذلك الوضع المزري منحياتي. ذات يومأصبح كل شيء حولي قاتما، مؤلما،يشبه الموت أويذكربه . لم أكن واعيا بالضبطمتى ابتدأت عمليا تلك الدراما البئيسة. كل ما كنت أحس به هو أني فقدت الشعور بأرض بلادي، ربماكان استجابة عفويةلتلك الحرقة التيكانت تلازمني صباحمساء كلما فكرت في حرماني من سمائهاالصافية الباسمة،من عزلي عن أهليو أصدقائي. كانتحرقتي تتحول إلىلوعة كاوية حينماأستعرض الأسبابفأجدها تتلخص في علة واحدة، حلميبتلك الحاسة المتولدةمع الإنسان والتييهفو إليها أيفرد في هذا الكون اللامتناهي، حريةالعيش الماديةو المعنوية. كانشعورا حادايعمقه محيطهذه المدينة اللعوب الطافحةبحريات تسري فيشرايين و أوعية المواطنين كدمائهمالمتجددة باستمرار.غير أنها أصبحتتأبى أن تنفذإلى جسمي كما فعلت في الماضي، يوملجئت إليها طالبابالأمس القريب،بل عجزت عنفتح أبوابنفسي لها، أمسيتأراها غريبةعني، عن مزاجيالمغترب، عن أهدافيالتي بدأت تستحثبي و تريدمني أن أحققهافي تلك التربةالتي سقط فيهارأسي. وجدتنيأردد بداخليأنهاحرياتغيري دفع عليهاأجدادهم دماء زكيةفغرسوها لأبنائهمو حفدتهم. لقد فشلتأنا في زرعها فيتربتي بجانب تلكالشجرة الوحيدةالقائمة في حوشداري الأصلية،كي يتغذى بها أبنائيوأبناء جلدتي.لكن الزمن أو القدرأو الجحش أو جنونالبعض وقف سدامنيعا دونها.....